فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في وجب:
مادّته تدلّ على سُقوط الشيء ووقوعه، تقول: وَجَبَ الشيء: إِذا لَزِمَ، يَجِبُ وُجُوبًا.
وفي كتاب يافع ويَفَعة: وَجَبَ البَيْع وَجُوبًا بفتح الواو كالقَبُول والوَلُوع وجِبَةً كِعَدة.
ووَجَبَ القَلْبُ وَجِيبًا: اضْطَرَبَ.
ووَجُبَ الرَّجُلُ ككَرُم وُجُوبَةً: جَبُنَ.
والوَجْبُ: الجَبانُ، قال الأَخطل:
عَمُوِس الدُّجَى يَنْشَقُّ عن مُتَضَرِّمٍ ** طَلُوب الأَعادِى لا سَؤُوم ولا وَجْبِ

والوَجْبَةُ: السَّقْطَة قال الله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}، أَى سقطت إِلى الأرض، ومنه: خرجَ القومُ إِلى مَواجِبِهم، أَى مصارِعِهم.
وَوَجَبَ المَيّتُ: إِذا سَقَطَ ومات، وفي الحديث: «دَعْهُنَّ فإِذا وَجَبَ فلا تَبْكِيَنَّ باكِيَةٌ، فقيل ما الوُجوبُ؟ قال: إِذا مات».
ويُقال للقَتِيل واجِبٌ، قال قَيْس بن الخطيم الأَنصارىّ:
أَطاعَتْ بنُو عَوْف أَمِيرًا نهاهُمُ ** عن السِّلْمِ حَتَّى كان أَوَّلَ واجِبِ

وأَوْجَبَ الله الشيء على عِباده: فَرَضَه.
والواجِبُ يقال على أَوْجُه: يقال في مُقابَلَة المُمْكِن وهو الحاصِلُ الذي إِذا قُدّرَ كَوْنُه مرتفعًا حَصَل منه مُحالٌ، نحوُ وجُودِ الواحِد مع وُجودِ الاثْنَيْن، فإِنَّه مُحالٌ أَن يرتفع الواحدُ مع حصول الاثْنين.
الثاني: يُقال الذي إِذا لم يُفْعَلْ يُستحقُّ به اللَّوْمُ، وذلك ضَرْبان: واجبٌ من جهة العَقْل كوُجوب معرفةِ الوَحْدانية والنُبُوَّة، وواجبٌ من جهة الشَّرْع كوُجوب العِبادات المُوَظَّفة.
وقيل: الواجِبُ يُقال على وَجْهَين: أَحدُهما يُراد به اللازِمَ الوجوب، فإِنَّه لا يصحّ أَن لا يكون موجودًا، كقولنا في الله تعالى إِنّه واجبٌ وُجوده.
والثاني الواجبُ بمعنى أَنَّ حَقَّه أَنْ يُوجَدَ.
وقولُ الفُقَهاء: الواجِبُ الذي يستحق تارِكُه العِقابَ وصْفٌ له بشيء عارِض له، ويَجْرى مَجْرَى مَنْ يقول: الإنسان الذي إِذا مَشَى مَشَى على رِجْلَيْن.
وأَوْجَبَ الرّجلُ: إِذا عَمِلَ عَمَلًا يُوجِبُ الجنَّةَ أَو النَّار.
ويُقال للحَسَنَة والسّيِّئة مُوجبَةٌ.
وفي الدعاء النَّبوىّ: «اللَّهُمَّ إِنَّى أَسأَلك مُوجِباتِ رَحْمَتِك» وقيل للنبىّ صلى الله عليه وسلم: «إِن صاحِبًا لنا قد أَوْجَبَ فقال: مُرُوهُ فَلْيُعْتِقُ رَقَبَةً» أَى ارتكب كبيرةً وَجَبت له النَّارُ.
وفي حديثه الآخر: «أَوْجَبَ ذو الثلاثَةِ والاثْنَين» أَى الذي أَفْرَطَ من وَلَده ثلاثةً أَو اثنين.
والكلمة المُوجِبَةُ لا إِله إِلاَّ الله. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}.
أقسام الخير فيها كثيرة بالركوب والحَمْل عليها وشرب ألبانها وأكل لحومها والانتفاع بوبرها ثم الاعتبار بخِلْقَتِها كيف سُخِّرت للناس على قوتها وصورتها، ثم كيف تنقاد للصبييان في البروكِ عند الحَمْل عليها وركوبها والنزول منها ووضع الحمل عنها وصبرها على العطش في الأسفار، وعلى قليل العَلَف، ثم ما في طبْعهِا من لُطفِ الطبع، وحيث تستريح بالحُدَاء مع كثافة صورتها إلى غير ذلك.
{فَإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}: أي سقطت على وجه الأرض في حال النَّحْرِ فأطعموا القانع الذي ألقى جلباب الحياء وأظهر فقره للناس، والمُعْتَرَّ الذي هو في تَحَمَّله مُتَحَمِّلٌ، ولمواضِع فاقته كاتم.
{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)}.
لا عِبْرَةَ بأعيان الأفعال سواء كانت بدنيةً محضة، أو ماليةً صِرْفة، أو بما له تعلُّق بالوجهين، ولَكِن العبرة باقترانها بالإخلاص فإِذا انصافَ إلى أكسابِ الجوارح إخلاصُ القصود، وتَجَرَّدَتْ عن ملاحظة أصحابِها للأغيارَ صَلُحَتْ للقبول.
ويقال التقوى شهودُ الحقِّ بِنَعْتِ التفرُّدِ؛ فلا يُشَابُ تَقَرُّبُكَ بملاحظةِ أحدٍ، ولا تأخذ عِوَضًا على عملٍ من بَشَرٍ.
{لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هدَاكُمْ}: أي هداكم وأرشدكم إلى القيام بحقِّ العبودية على قضية الشرع.
{وَبَشِّر المُحْسِنِينَ}: والإحسان كما في الخبر: «أن تعبد الله كأنك تراه..».
وأمارةْ صحته سقوطُ التعب بالقلبِ عن صاحبهِ، فلا يستثقلُ شيئًا. ولا يتبرم بشيءٍ. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال الألوسي:
ومن باب الإشارة في الآيات: {يَا أَيُّهَا الناس اتقوا رَبَّكُمُ} بالإعراض عن السوي وطلب الجزاء {إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة} [الحج: 1] وهي مبادىء القيامة الكبرى {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ} وهي مواد الأشياء فإن لكل شيء مادة ملكوتية ترضع رضيعها من الملك وتربيه في مهد الاستعداد {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ} وهي الهيولات {حِمْلِهَا} وهي الصور يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات {وَتَرَى الناس سكارى} الحيرة {وما هم بسكارى} [الحج: 2] المحبة، قيل سكر الأعداء من رؤية القهريات.
وسكر الموافقين من رؤية بدائع الأفعال.
وسكر المريدين من لمعان الأنوار.
وسكر المحبين من كشوف الأسرار.
وسكر المشتاقين من ظهور سني الصفات.
وسكر العاشقين من مكاشفة الذات.
وسكر المقربين من الهيبة والجلال.
وسكر العارفين من الدخول في حجال الوصال.
وسكر الموحدين من استغراقهم في بحار الأولية.
وسكر الأنبياء والمرسلين عليهم السلام من اطلاعهم على أسرار الأزلية:
ألم بنا ساق يجل عن الوصف ** وفي طرفه خمر وخمر على الكف

فاسكر أصحابي بخمرة كفه ** وأسكرني والله من خمرة الطرف

{وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} الآية يدخل فيه من يعبد الله تعالى طمعًا في الكرامات ومحمدة الخلق ونيل دنايهم فإن رأي شيئًا من ذلك سكن إلى العبادة وإن لم ير تركها وتهاون فيها {خَسِرَ الدنيا} بفقدان الجاه والقبول والافتضاح عند الخلق {والآخرة} [الحج: 11] ببقائه في الحجاب عن مشاهدة الحق واحتراقه بنار البعد {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله في الدنيا والآخرة فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء} [الحج: 15] الآية فيه إشارة إلى حسن مقام التسليم والرضا بما فعل الحكيم جل جلاله {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئًا وَطَهّرْ بَيْتِىَ للطائفين والعاكفين والركع السجود} [الحج: 26] فيه من تعظيم أمر الكعبة ما فيه، وقد جعلها الله تعالى مثالًا لعرشه وجعل الطائفين بها من البشر كالملائكة الحافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم إلا أن تسبيح البشر وثناءهم عليه عز وجل بكلمات إلهية قرآنية فيكونون من حيث تسبيحهم وثناؤهم بتلك الكلمات من حيث أنها كلماته تعالى نوابًا عنه عز وجل في ذلك ويكون أهل القران وهم كما في الحديث أهل الله تعالى وخاصته، وللكعبة أيضًا امتياز على العرش وسائر البيوت الأربعة عشر لأمر ما نقل إلينا أنه في العرش ولا في غيره من تلك البيوت وهو الحجر الأسود الذي جاء في الخبر أنه يمين الله عز وجل ثم إنه تعالى جعل لبيته أربعة أركان لسر إلهي وهي في الحقيقة ثلاثة لأنه شكل مكعب الركن الذي يلي الحجر كالحجر في الصورة مكعب الشكل ولذلك سمى الكعبة تشبيهًا بالكعب، ولما جعل الله تعالى له بيتًا في العالم الكبير جعل نظيره في العالم الصغير وهو قلب المؤمن، وقد ذكروا أنه أشرف من هذا البيت «ما وسعني أرضي ولا سمائي ولَكِن وسعني قلب عبدي المؤمن» وجعل الخواطر التي تمر عليه كالطائفين وفيها مثلهم المحمود والمذموم، وجعل محل الخواطر فيه كالأركان التي للبيت فمحل الخاطر الإلهي كركن الحجر ومحل الخاطر الملكي كالركن اليماني ومحل الخاطر النفسي كالمكعب الذي في الحجر لا غير وليس للخاطر الشيطاني فيه محل، وعلى هذا قلوب الأنبياء عليهم السلام، وقد يقال: محل الخاطر النفسي كالركن الشامي ومحل الخاطر الشيطاني كالركن العراقي، وإنما جعل ذلك للركن العراقي لأن الشارع شرع أن يقال عنده: أعوذ بالله تعالى من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، وعلى هذا قلوب المؤمنين ما عدا الأنبياء عليهم السلام، وأودع سبحانه فيه كنزًا أراد صلى الله عليه وسلم أن يخرجه فلم يفعل لمصلحة رآها، وكذا أراد عمر فامتنع اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك أودع جل وعلا في قلب الكامل كنز العلم به عز وجل.
وارتفاع البيت على ما مر سبعة وعشرون ذراعًا وربع ذراع.
وقال بعضهم: ثمانية وعشرون ذراعًا، وعليه يكون ذلك نظير منازل القلب التي تقطعها كواكب الإيمان السيارة لإظهار حوادث تجري في النفس كما تقطع السيارة منازلها في الفلك لإظهار الحوادث في العالم العنصري إلى غير ذلك مما لا يعرفه إلا أهل الكشف.
{لَكُمْ فِيهَا منافع إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إلى البيت العتيق} [الحج: 33] أي إلى ما يليه فإن النحر بمنى وجعلت محلًا للقرابين على ما ذكر الشيخ الأكبر محيي الدين قدس سره لأنها من بلوغ الأمنية ومن بلغ المنى المشروع فقد بلغ الغاية.
وفي نحر القرابين إتلاف أرواح عن تدبير أجسام حيوانية لتتغذى بها أجسام إنسانية فتنظر أرواحها إليها في حال تفريقها فتدبرها إنسانية بعد ما كانت تدبرها إبلًا أو بقرا، وهذه مسألة دقيقة لم يفطن لها إلا من نور الله تعالى بصيرته من أهل الله تعالى انتهى.
وتعقله مفوض إلى أهله فاجهد أن تكون منهم.
{وَبَشّرِ المخبتين الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحج: 34، 35] حسبما يحصل لهم من التجلي عند ذلك، وقد يحصل من الذكر طمأنينة القلب لاقتضاء التجلي إذ ذاك ذلك، وذكر بعضهم أن لكل اسم تجليًّا خاصًا فإذا ذكر الله تعالى حصل حسب الاستعداد ومن هاهنا يحصل تارة وجل وتارة طمأنينة؛ و{إِذَا} لا تقتضي الكلية بل كثيرًا ما يؤتى بها في الشرطية الجزئية، وقيل العارف متى سمع الذكر من غيره تعالى وجل قلبه ومتى سمعه منه عز وجل اطمأن.
ويفهم من ظاهر كلامهم أن السامع للذكر إما وجل أو مطمئن ولم يصرح بقسم آخر فإن كان فالباقي على حاله قبل السماع، وأكثر مشايخ زماننا يرقصون عند سماع الذكر فما أدري أينشأ رقصهم عن وجل منه تعالى أم عن طمأنينة؟ وسيظهر ذلك يوم تبلى السرائر وتظهر الضمائر {والبدن جعلناها لَكُمْ مّن شعائر الله لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] قد تقدم لك أنهم ينحرون البدن معقولة اليد اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها، وذكروا في سر ذلك أنه لما كان نحرها قربة أراد صلى الله عليه وسلم المناسبة في صفة نحرها في الوترىة فأقامها على ثلاث قوائم لأن الله تعالى وتر يحب الوتر والثلاثة أول الإفراد فلها أول المراتب في ذلك والأولية وترىة أيضًا، وجعلها قائمة لأن القيومية مثل الوترىة صفة إلهية فيذكر الذي ينحرها مشاهدة القائم على كل نفس بما كسبت، وقد صح أن المناسك إنما شرعت لإقامة ذكر الله تعالى، وشفع الرجلين لقوله تعالى: {والتفت الساق بالساق} [القيامة: 29] وهو اجتماع أمر الدنيا بالآخرة، وأفرد اليمين من يد البدن حتى لا تعتمد إلا على وتر له الاقتدار.
وكان العقل في اليد السرى لأنها خلية عن القوة التي لليمنى والقيام لا يكون إلا عن قوة.
وقد أخرج مسلم عن ابن عباس أنه قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلت عنها الدم وقلدها نعلين ثم ركب راحلته» الحديث.
والسر في كون هديه عليه الصلاة والسلام من الإبل مع أنه جاء فيها أنها شياطين ولذا كرهت الصلاة في معاطنها الإشارة إلى أن مقامه عليه الصلاة والسلام رد البعداء من الله تعالى إلى حال التقريب.
وفي إشعارها في سنامها الذي هو أرفع ما فيها إشعار منه صلى الله عليه وسلم بأنه عليه الصلاة والسلام أتى عليهم من صفة الكبرياء الذي كانوا عليه في نفوسهم فليجتنبوها فإن الدار الآخرة إنما جعلت للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا، ووقع الإشعار في الصفحة اليمنى لأن اليمين محل الاقتدار والقوة، والصفحة من الصفح ففي ذلك إشعار بأن الله تعالى يصفح عمن هذه صفته إذا طلب القرب من الله تعالى وزال عن كبريائه الذي أوجب له البعد، وجعل عليه الصلاة والسلام الدلالة على إزالة الكبرياء في شيطنة البدن في تعليق النعال في رقابها إذ لا يصفع بالنعال إلا أهل الهون والمذلة ومن كان بهذه المثابة فما بقي فيه كبرياء تشهد، وعلق النعال بقلائد العهن ليتذكر بذلك ما أراد الله تعالى وتكون الجبال كالعهن المنفوش، وقد ذكروا لجميع أفعال الحج أسرارًا من هذا القبيل، وعندي أن أكثرها تعبدية وأن أكثر ما ذكروه من قبيل الشعر والله تعالى الموفق للسداد. اهـ.

.تفسير الآيات (38- 41):

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يقولوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمور (41)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر سبحانه الحج المذكر للمهاجرين بأوطانهم المخاصمة التي أنزلت في غزوة بدر، وذكر ما يفعل فيه من القربات، عظم اشتياق النفوس إلى ذلك وتذكرت علو المشركين الذي يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام وظهورهم ومنعهم لمن أراد هذه الأفعال، على هذه الأوصاف الخالصة، والأحوال الصالحة، وفتنتهم له، فأجابها سبحانه عن هذا السؤال بقوله: {إن الله} أي الذي لا كفوء له {يدافع عن الذين آمنوا} لأنهم بدخولهم في الإيمان لم يكونوا مبالغين في الخيانة ولا في الكفر فهو يحبهم، فكيف بالمحسنين الذين ختمت بهم الآية السالفة، أي فيظهرهم على عدوهم- هذا في قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب بغير ألف، وفي قراءة الباقين مبالغة بإخراج الفعل على المغالبة، فكأنه قال: بشرهم بأن الله يدفع عنهم، ولَكِنه تعالى أظهر الأوصاف ليفهم أنها مناط الأحكام والتعبير، فعبر بالفعل الماضي ترغيبًا، أي لكل من أوقع هذا الوصف في الخارج إقياعًا ما دفع عنه؛ ثم علل ذلك بقوله: {إن الله} أي الذي له صفات الكمال {لا يحب} أي لا يكرم كما يفعل المحب {كل خوان} في أمانته، مانع لعباده من بيته الذي هو للناس سواء العاكف فيه والبادي {كفور} لنعمته بالتقرب إلى غيره، فهو يفعل مكارم الأخلاق صورة ليس فيها معنى أصلًا، لا يصححها بذكر الله وحده، ولا يجملها بالإحسان، وأتى بالصفتين على صيغة المبالغة لأن نقائص الإنسان لا يمكنه أن يفعلها خالية عن المبالغة، لأنه يخون نفسه بالعزم أولًا، والفعل ثانيًّا وغيره من الخلق ثالثًا، وكذا يخون نفسه ربه سبحانه وهكذا في الكفر وغيره، ولما كانت الخيانة منبع النقائص، كانت المبالغة فيها أكثر.